الأحد، ٧ يناير ٢٠٠٧

القرآن الكريم أول من عرف القصة القصيرة

القرآن الكريم أول من عرف القصة القصيرة
محمود البدوى والمنابع الأولى لفنه القصصى

بقلم : على عبد اللطيف
و
ليلى محمود البدوى


لقد أخلص محمود البدوى للقصة القصيرة التى هى حبه الأول والأخير ، قرابة نصف قرن من الزمان ، منذ أن نشر أول مجموعة قصصية فى شهر أبريل من عام 1936 وكانت بعنوان " رجل " وتحتوى على أربع قصص ، هى " رجل " و" الأعمى " و"النجم البعيد " و" فى الظلام " وكان يقول " أستطيع القول دون ما مبالغة أننى طورت شكل القصة ودلالتها لأول مرة فى اللغة العربية فى العصر الحديث ، ولقد نجحت فى حشد شخصيات بشرية متباينة ومعذبة معا .
غير أن حبى للقصة القصيرة وراءه باعث رئيسى ، هو ولعى بالإيجاز والاختزال اللذين أجدهما فى طبيعة القصة القصيرة

* القصة القصيرة فن العرب

كثير من الباحثين الغربيين شهدوا للقصة العربية فى قرونها الهجرية ـ الإسلامية ـ بالرقى ، لالشىء إلا لأنها تحتوى من البلاغة التى هى التركيز والتكثيف الشىء الكثير .. انهم يؤكدون أن القصة القصيرة إنما هى فن العرب لا الغرب ، فالعرب بطبيعتهم رحالون من مكان إلى آخر ، وبين هذا المكان وذاك يرددون حكاياتهم الموجزة ، فالحياة العربية ، لطبيعتها البدوية ، لم تكن تمكنهم من سرد القصة الطويلة أو التمهل عند تفصيلاتها ، ومن هنا كان البدوى يقول ، فى تعريفه للقصة العربية عند العرب أنها كما هى الآن لاتزيد على ربع ساعة فقط .
وهذا الوقت الوجيز هو الذى يمنح القصة حلاوتها المميزة .. وهو ما جعل البدوى يعود للأدب
العربى ويحاول أن يغترف من منابعه الأولى ، وبالتحديد من القرآن الكريم
.
* القرآن الكريم أول من عرف القصة القصيرة

يقول البدوى " أنظر إلى عظمة الإيجاز القرآنى وهو يقول
:
ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب اليم
"
انها عبارة بليغة تعبر عن نفسها بنفسها ، وتحمل معانى كثيرة قل أن يستطيع التعبير الطويل أن يعبر عنها ، أقرأ هذا الحكم "
إلا أن يسجن أو عذاب اليم
"
ثم انظر إلى مثل آخر ..
" يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين
"
أنظر إلى دلالة المعنى الذى تطلقه امرأة ، ومع هذا ، فإن الرسالة تصل بشكل فيه بلاغة وصدق ، ويحوطه التقدير والإجلال
.. "
ثم يقول " اننى أستطيع الخروج من كل آية بقصة قصيرة يمكن أن تتوافر فيها شرط " لحظة التنوير " كما يقال لنا الآن فى التعبير عن القصة القصيرة .. ان القرآن الكريم به أول قصة قصيرة ..
وعلى هذا النحو ، فإننى أستطيع بلفظ أو أكثر من لفظ " منحوت " الوصول إلى أدق المعانى وأكثرها تعبيرا ودلالة
..
غير أنـنى لايمكن أن أغبن الغربيين حقهم فى الفن الابداعى للقصة القصيرة ، فإننى لايمكن قط أن أنسى براعة " تشيكوف " وهو يروى القصة فتصل إلى درجة بعيدة من الإعجاز ، لالشىء إلا لأنها تحتوى التركيز والمعنى فى جلسة صغيرة
..
وهكذا أستطيع أن أقول أن القصة القصيرة التى كتبتها على ايجازها كان يمكن أن أكتبها فى ثلاثة فصول بدلا من عدة صفحات ، فبدلا من أن استرسل فى محاسن المرأة ، على سبيل المثال ، فأسهب فى شعرها وقدها وهيأتها إلى غير ذلك ، أستطيع أن أرمى السهم مباشرة فأقول أنها " جميلة " وهو ما أستطيع أن أقوله حين أسهب فى تفاصيل الجو فأختصر بأنه " بارد " وحسب .. وأستطيع ببقية تفصيلات القصة أن أمزج قدرا كبيرا من الدلالة التى تشير إلى الجو أو تؤكد درجته "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
." مأخوذ من حوار أجراه الدكتور مصطفى عبد الغنى مع محمود البدوى ونشر فى صحيفة الأهرام 2021986 أى بعد وفاة محمود البدوى الذى توفى فى 1221986"

*